برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت وكيل المحكمة، وأحمد العروسي، ومحمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الواحد علي المستشارين.
اختصاص. ضرائب. طلب رد الرسوم التي حصلها المجلس البلدي بغير حق. اختصاص المحاكم المدنية بهذا الطلب. رفع الدعوى بطلب إلزام المجلس البلدي برد قيمة ما حصله من المدعي كرسوم بدون وجه حق هو طلب يدخل الفصل فيه في ولاية المحاكم المدنية ولا يخرجه من ولايتها أن يكون الفصل فيه يقتضي البحث في مشروعية المرسوم الصادر بفرض الرسوم.
اختصاص. لوائح. أمر إداري. المقصود بالأمر الإداري الذي لا يجوز للمحاكم تأويله أو وقف تنفيذه هو الأمر الإداري الفردي. الأمر الإداري العام أي اللائحة كالقرار بفرض رسم. حق المحاكم في التحقق من مشروعيته والامتناع عن تطبيقه إن بدا لها ما يعيبه. استقر قضاء هذه المحكمة على أن المادة 18 من قانون نظام القضاء المقابلة للمادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم والتي تخرج من ولاية المحاكم وقف الأمر الإداري أو تأويله أو إلغاءه. إنما تشير إلى الأمر الإداري الفردي دون الأمر الإداري العام ـ أي اللوائح كقرار المجلس البلدي بفرض رسم ـ إذ لا شبهة في أن على المحاكم قبل أن تطبق لائحة من اللوائح أن تستوثق من مشروعيتها ومطابقتها للقانون فإن بدا لها ما يعيبها في هذا الخصوص كان عليها أن تمتنع عن تطبيقها.
ومن حيث إن وقائع الطعن حسبما يستفاد من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراقه، تتحصل فى أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى 720 سنة 74 ق أمام محكمة مصر المختلطة الجزئية فى 20/12/1948 على المطعون عل يه وطلبت إلزامه بأن يدفع إليها مبلغ 201 جنيه و470 مليما قيمة ما استولى عليه بغير حق نظير رسوم بلدية وعوائد مبان لا يستحق منها شيئا. لأن منشأتها التى فرض عليها المجلس تلك الرسوم تخرج عن اختصاصه وبخروجها عن كردون المدنية المحدد لذلك الاختصاص باعتراف المجلس نفسه، ولأنه بعد أن فرض على المنشآت عوائد ومبانى وحصلها فعلا، عاد ورد تلك العوائد فيما عدا مبلغ 1 جنيه و470 مليما من ضمن المبلغ المطالب ه. ولكنه رغم هذا الاعتراف فرض رسوما سنوية قدرها ماية جنيه ثم حصلها بالفعل عن سنتين من 1/5/1946 إلى 30/4/148 وبذلك أصبحت جملة المبلغ 200 جنيه + 1 جنيه و470 مليما = 201 جنيه و470 مليما هو المطالب به مع فوائده بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء مع المصروفات والأتعاب والنفاذ بغير كفالة. ولما ألغيت المحاكم المختلطة أحيلت الدعوى إلى محكمة عابدين الجزئية وقيدت برقم 2918 سنة 1949 وقد دفع المطعون عليه الدعوى بأن اختصاصه يشمل جميع المناطق التى تنتفع بالمرافق العامة التى يديرها، أنه ليس هناك من تلازم بين عوائد المبانى ورسوم البلدية التى يحق له فرضها - وفى 29/3/1950 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت الطاعنة ذلك الحكم امام محكمة القاهرة الإبتدائية وقيد الاستئناف برقم 1080 سنة 1950 واصرت على طلباتها مع المصروفات والأتعاب عن الدرجتين - وأمامها دفع المطعون عليه بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لأن مؤداها إلغاء قرار إدارى خاص بفرض رسوم ربطت عليها للقانون واعتمدها وزير الصحة العمومية فى حدود سلطاته المبين فى القانون فلا يجوز التظلم منها إلا بالطريق الذى رسمه ذلك القانون وأمام الجهة المعينة به والمحاكم يمتنع عليها تأويل الأوامر الإدارية أو إيقاف تنفيذها أو إلغاؤها وفى 15/12/1951 قضت محكمة مصر بقبول الاستئناف شكلا وفى موضوعه بقبول الدفع بعدم الاختصاص وبإلغاء الحكم الإبتدائى المستأنف وعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى والزمت الطاعنة بمصروفات الدرجتين ومبلغ مائتى قرش أتعابا للمحاماة فطعنت الشركة فى هذا الحكم بطريق النقض.
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحاميين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة. من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه القانونية فهو مقبول شكلا. ومن حيث إن الطعن بنى على سبب واحد هو الخطأ فى تفسير القانون وفى تطبيقه من عدة وجوه. الأول: اسست الطاعنة دعواها من أول الأمر على أنها تعويض قدرته بالمبلغ المطالب به، واعتبار المحكمة أن المطالبة بالتعويض تتضمن حتما إلغاء وتأويل الأمر الإدارى الصادر من وزير الصحة باعتماد قرار المجلس بربط الرسوم قول غير صحيح ولا سديد لأن الطاعنة لم تطلب الإلغاء ولا التأويل ولكنها رأت أن القرار لا ينطبق على المنشأت المملوكة لها ويكون فى تطبيقه عليها مخالفا للقاونون يترتب عليها مسئولية جهة الإدارة بالتعويض عن فعلها الذى وقع مخالفا للقانون، وهو ما يدخل فى اختصاص القضاء العادى طبقا للمادة 18 من قانون نظام القضاء. الثانى لم تدع الطاعنة أن المطعون عليه غير محق فى فرض الرسوم ولم تنازع بالتالى فى مبدأ اختصاص المجلس،ولا فى أساس الضريبة، ولكن نزاعها انحصر فى أن المجلس حصل الرسوم منها بغير حق ولكن منشآتها كانت فى ذلك الوقت غير داخلة فى نطاق حدود المجلس (الكردون) المحددة لاختصاصه ثم أدخلت بعد النزاع بمرسوم لاحق. والثالث: أخطأ الحكم فى استناده إلى المادة 21 من القانون رقم 145 لسنة 1944 بمقولة إن للمجلس فرض رسوم مقابل الانتفاع بمرافقه العامة فى حين أن الرسوم المطالب بالتعويض عنها فرضت تطيبقا للمادة 23 من القانون نفسه. وهى خاصة بالمحال العامة كالأندية والمحال المضرة بالصحة والمقلقة للراحة والخطرة. والرابع: أضفى الحكم على مرسوم 30/10/1945 صفة القانون مع أنه ليس إلا من قبيل اللوائح التى تصدرها السلطة التنفيذية لتسهيل تطبيق القانون، وإذا كان المرسوم قد نص على تشكيل لجان الحصر والتقدير، فليس معنى ذلك أن تتحلل تلك اللجان من نصوص القانون الذى حصر سلطة المجلس فى فرض الرسوم على المحال والمنشأت الداخلة فى اختصاصه - فإن أغفلت اللجان هذه الحدود وتجاوزتها إلى خارج الحدود فلا شك أن قرارها يكون باطلا عند ذلك فقط ولا يكون من شأن قرار وزير الصحة باعتماد ذلك القرار، أن يصحح هذا البطلان. والخامس إن ما ذهب إليه الحكم يعطل نص القانون الوارد فى المادة 377 مدنى التى نصت فى فقرتها الثانية على أنه "يتقادم بثلاث سنوات الحق فى المطالبة برد الضرائب والرسوم التى دفعت بغير وجه حق، ويبدأ سريان التقادم من يوم دفعها". والسادس: جرت نصوص المرسوم على تكوين لجنة لنظر التظلمات من الرسوم المفروضة على غرار لجنة المراجعة التى خصصت لنظر التظلمات فى قرارات لجان فرض العوائد، ومع ذلك فقد جرى القضاء على نظر جميع ما عرض عليه من تظلمات لجان العوائد كلما حصل النزاع حول تقدير الرسوم على منشأت أو منازل لا يدخل فى اختصاص البلدية. ومن حيث إنه يبين مما سبق ذكره أن الدعوى رفعت من الطاعنة بطلب إلزام المجلس البلدى أن يدفع لها مبلغ 201 جنيها و470 مليما قيمة ما تدعى الطاعنة أن المجلس قد حصله منها كرسوم دون وجه حق - وهو طلب يدخل الفصل يه فى ولاية المحاكم المدنية ولا يخرجه عن ولايتها أن يكون الفصل يه يقتضى البحث فى مشروعية المرسوم الصادر بفرض الرسوم ذلك لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن المادة 18 من قانون نظام القضاء والتى تقابل المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم والتى تخرج من ولاية المحاكم وقف الأمر الإدارى أو تأويله أو إلغاءه إنما تشير إلى الأمر الإدارى الفردى دون الأمر الإدارى العام - أى اللوائح - كقرار المجلس البلدى بفرض رسم - إذ لا شبهة فى أن للمحاكم بل عليها قبل أن تطق لائحة من اللوائح أن تستوثق من مشروعيتها ومطابقتها للقانون فإن بدا لها ما يعيبها فى هذا الخصوص كان عليها أن تمتنع عن نتطبيقها - ولا محل للاعتراض على هذا الفهم الواضح، بأى تصدى المحاكم لبحث مشروعية اللوائح وجواز امتناعها عن تطبيقها، يعتبر إلغاء لها وهو ما خص به القضاء الإدارى ذلك أن الأمتناع عن تطبيق اللائحة يختلف اختلافا جوهريا عن إلغائها فحق المحاكم فى الرقابة على مشروعية اللوائح - هذا الحق كان مقررا فى مصر قبل إنشاء القضاء الإدارى والذى هو مقرر فى فرنسا مع قيام هذا القضاء - لا يؤدى فى حالة الامتناع عن التطبيق إلى إلغاء اللائحة التى تظل قائمة، بعكس الحكم بإلغائها هو من اختصاص القضاء الإدارى، كما أن طلب الإلغاء محدد بمواعيد أما الدفع بعدم مشروعية اللائحة والمطالبة بالتعويض عما حل للأفراد من تنفيذها الخاطئ فلا يحده ميعاد ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى قد خالف القانون متعينا نقضه.