برياسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت، ومحمد نجيب أحمد، ومصطفى فاضل، وعبد العزيز سليمان المستشارين.
شفعة. اشتراط إيداع الثمن قبل رفع الدعوى وفقا للمادة 942/ 2 من القانون المدني الجديد. هو شرط لقبول الدعوى. عدم سريانه على الدعاوى التي رفعت في ظل قانون الشفعة القديم. اشتراط إيداع الثمن عملاً بحكم الفقرة الثانية من المادة 942 من القانون المدني قبل رفع دعوى الشفعة على خلاف أحكام قانون الشفعة القديم ليس إلا مظهراً من مظاهر تقييد الشفعة للتوفيق بين رأي القائلين بإلغاء هذا النظام ورأي القائلين بإبقائه، ولهذا يكون الإيداع في حكم القانون المدني الجديد شرطاً لقبول الدعوى. وإذن فمتى كانت الدعوى قد رفعت صحيحة وفقاً لقانون الشفعة القديم فلا يسرى عليها نص المادة 942 من القانون المدني الجديد سواء أعتبر هذا الشرط متعلقا بالإجراءات أو متصلاً بموضوع الحق.
شفعة. حكم. تسبيبه. إقامته على دعامتين مستقلة إحداهما عن الأخرى. الأولى عدم توافر سبب الشفعة لدى الطاعن، والثانية أنه بفرض توافر سبب للشفعة له فإنه تعود على ملك المطعون عليه الأخير منفعة أكبر مما تعود على الطاعن. كفاية الدعامة الثانية وحدها لحمل الحكم. النعي عليه في الدعامة الأولى. غير منتج. متى كان الحكم قد أقيم على دعامتين مستقلة إحداهما عن الأخرى [ الأولى ] أن أرض الطاعن لا تجاور الأطيان المشفوع فيها إلا من واحد وليس لأرضه أو عليها حق ارتفاق للأرض المشفوع فيها [ والثانية ] أنه بفرض توافر أسباب الشفعة للطاعن فإنه تعود على أرض المطعون عليه الأخير منفعة أكثر مما تعود على ملك الطاعن، وكان يصح قيام الحكم على الدعامة الثانية وحدها، فإن النعي عليه في الدعامة الأولى يكون غير منتج.
من حيث إن الوقائع - حسبما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأخير "دكتور ........" أقام الدعوى رقم 200 سنة 1948 كلي دمنهور يطلب الحكم أصليا بأحقيته في أخذ 79 فدانا بالقطعة 37 بحوض برية الشوكة نمرة 5 بزمام شباس الملح بالشفعة بواقع ثمن الفدان 150 جنيها أو ما يثبت أن الثمن الحقيقي بالغا ما بلغ من المصاريف الرسمية والملحقات القانونية وإن وجدت واحتياطيا بأحقيته في أخذ 95 فدانا و3 قراريط و13 سهما إذا قبل المطعون عليهما الأولان ذلك "مقابل الثمن وملحقات"، وأقام الطاعن الدعوى رقم 219 سنة 1948 كلي دمنهور على المطعون عليهما الأولين المشتريين وبقية المطعون عليهم البائعين يطلب فيها الحكم بأحقيته في أخذ الأطيان السابق بيانها جميعا بطريق الشفعة، وقد ضمت القضية الأخيرة إلى القضية الأولى. وفي 4 من نوفمبر سنة 1948 قضت المحكمة تمهيديا بندب خبير لتنفيذ ما جاء بأسباب ذلك الحكم وبالتحقيق لإثبات وقت علم الدكتور ........ بالبيع وظروفه وملابساته. ودفع الحاضر عن الطاعن، أولا: بسقوط حق الدكتور .............. في الأخذ بالشفعة لعدم إيداع الثمن الحقيقي بخزانة المحكمة خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلان الرغبة، وثانيا: بأن الدعوى باطلة، لأنها لم تتوافر فيها أسباب الشفعة، وثالثا: بعدم قبول الدعوى وفقا للنص الجديد الخاص بتزاحم الشفعاء. وفي 30 من نوفمبر سنة 1949 قضت المحكمة بأحقية المطعون عليه الأخير في الشفعة وبرفض دعوى الطاعن، استأنف الطاعن لدى محكمة استئناف الإسكندرية وقيد برقم 58 سنة 5 قضائية وفي 10 من مارس سنة 1951 قضت بالتأييد، فقرر الطاعن بالطعن في الحكم بطريق النقض.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر، ومرافعة المحامين عن الطاعن والمطعون عليه الأخير والنيابة العامة وبعد المداولة. ومن حيث أن المطعون عليه الأخير دفع بعدم قبول الطعن شكلا استنادا إلى أن الطاعن قد أنذره في 16 من يونيه سنة 1951 مطالبا إياه بثمن الأطيان المحكوم له بأخذها بالشفعة، ومبديا استعداده لقبض الثمن والمصاريف مع إعطاء الوصل اللازم دون أي تحفظ بالنسبة إلى الطعن في الحكم بطريق النقض، وأن هذا منه يدل على قبوله الحكم وتبعا لا يكون له حق الطعن فيه بطريق النقض وفقا للمادة 377م. ومن حيث إنه لما كان يبين من الأوراق أن المطعون عليه الأخير أعلن الطاعن في 14 من يونيه سنة 1951 وباقي المطعون عليهم في 6 من يونيه سنة 1951 بإنذار نبه فيه عليهم بأن يحددوا مركزهم فيمن هو المستحق لقبض الثمن المحكوم به في دعوى الشفعة، وأن يعلنوه بذلك في ظرف عشرة أيام وإلا كان من حقه إيداع الثمن حزنة المحكمة، فرد عليه الطاعن في 16 من يونيه منه 1951 بأنه هو صاحب الحق في ثمن الأطيان المحكوم بها، وكان يبين أيضا أن الطاعن كان قد قرر بالطعن في الحكم في 12 من يونيه سنة 1951 أي قبل تسلمه إعلان المطعون عليه الأخير وقبل رده عليه بما سبق بيانه - لما كان يشترط في القبول الضمني للحكم أن يكون بقول أو عمل أو إجراء يدل دلالة لا تحتمل الشك على ترك الحق في الطعن فيه، وكان هذا الأمر غير متحقق في حالة الطعن، فإن الدفع المشار إليه يكون في غير محله ويتعين رفضه. ومن حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية. ومن حيث إنه مقام على أربعه أسباب، حاصل الأول منها: هو خطأ الحكم في تطبيق القانون، ذلك أن الطاعن دفع بسقوط حق المطعون عليه الأخير في الشفعة تأسيسا على أنه لم يودع الثمن وفقا للفقرة الثانية من المادة 942 من القانون المدني التي تنص على أنه "خلال ثلاثين يوما على الأكثر من تاريخ هذا الإعلان - إعلان الرغبة - يجب أن يودع خزانة المحكمة الكائن في دائرتها العقار كل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع مع مراعاة أن يكون هذا الإيداع قبل رفع الدعوى بالشفعة فإن لم يتم الإيداع في هذا الميعاد على الوجه المتقدم سقط حق الأخذ بالشفعة، ولا يعفي من أعمال حكم هذه المادة أن المطعون عليه الأخير قد رفع دعواه قبل العمل بالقانون المدني الجديد متى كان قد أدركها قبل الفصل فيها مما كان يتعين معه على الشفيع إيداع الثمن إعمالا لهذا النص قبل جلسة 25 من أكتوبر سنة 1949 التي حددت للمرافعة، وإذ رفض الحكم هذا الدفع تأسيسا على أن النصوص المتعلقة بالشفعة قد وردت في صلب القانون المدني الجديد أخطأ في القانون لأن العبرة ليست بورود النص في المجموعة المدنية أو في مجموعه المرفعات، وإنما العبرة هي بتعلق النص بالإجراءات أو بتعلقه بالحقوق، وإنه لما كانت المادة 942 قد جاءت تحت عنوان "إجراءات الشفعة" فإنه كان من الواجب تطبيقها على واقعة الدعوى لتعلقها بالإجراءات. وإنه من ناحية أخرى فإن الشفعة ليست حقا يكتسب بمجرد رفع الدعوى بل هي رخصة يترك تقديرها للقضاء. مما يتعين معه أن تسري عليها الإجراءات التي أوجبها القانون. ومن حيث أن هذا السبب مردود بما قرره الحكم من أن: "القاعدة العامة في سريان القوانين على الماضي إنه يسري من وقت صدوره ما لم ينص على غير ذلك بنص صريح وذلك محافظة على العدالة والمصلحة وقد نص على هذه القاعده في الدستور في المادة 27 التي تنص على إنه لا تجرى أحكام القوانين إلا على ما يقع في تاريخ نفاذها ولا يترتب عليها أي أثر فيما وقع قبله ما لم ينص على خلاف ذلك بنص خاص، كما إنه من المقرر أن القانون المدني لأنه متعلق بالموضوع، في حين أن قانون المرافعات - وهو الخاص بالشكل أو الإجراءات التي تتبع للمحافظة على الحقوق واحترامها - يسري على الماضي". وانتهى إلى أنه وقد رفعت الدعوى في ظل قانون الشفعة القديم فلا تسري عليها أحكام القانون المدني الجديد التي توجب إيداع الثمن قبل رفع الدعوى وهذا الذي انتهى إليه الحكم صحيح في القانون، ذلك أنه وإن كانت الشفعة رخصه لا حقا - فإنها سبب من أسباب كسب الملكية، وما اشتراط إيداع الثمن - عملا بحكم الفقرة الثانية من المادة 942 قبل رفع دعوى الشفعة على خلاف أحكام قانون الشفعة القديم الذي وقعت في ظله قبل سريان أحكام القانون المدني الجديد في 15 من أكتوبر سنة 1949 - إلا مظهرا من مظاهر تقييد الشفعة للتوفيق بين رأي القائلين بإلغاء هذا النظام ورأي القائلين بإبقائه، ومن ثم يكون الإيداع في حكم القانون الجديد شرطا لقبول الدعوى. ولما كانت الدعوى قد رفعت صحيحه وفقا لقانون الشفعة القديم فلا يسري عليها نص المادة 942 من القانون المدني الجديد سواء اعتبر هذا الشرط متعلقا بالإجراءات أو متصلا بموضوع الحق. ومن حيث أن السبب الثاني يتحصل في أن الطاعن دفع دعوى المطعون عليه الأخير بأنه ليس حائزا لما يجعله شفيعا وأنكر عليه الجوار كما أنكر أن لأرضه حقوق الارتفاق على الأرض المشفوعة أو أن لهذه الأرض حقوق ارتفاق على أرضه، وطعن على تقرير الخبير المعين بمطاعن عدم لم تولها محكمة أول درجة عنايتها، ولما استأنف الحكم الابتدائي استند إلى تقرير خبير استشاري نهض بمأموريته على أدق صورة وقدم تقريرا مصحوبا برسم أظهر فيه أخطاء جسيمة وخلافات ظاهرة بين الحدود والمسميات الحقيقية لأرض النزاع وما ورد بشانها سواء في إنذار الشفعة أو في عريضة الدعوى رقم 200 سنة 1948 كلي دمنهور أو في تقرير الخبير المبين، وانتهى إلى أن جوار المطعون عليه الأخير للأرض المشفوع فيها هو من حد واحد ونفي حقوق الارتفاق المدعى بها، وإنه مع وجود هذا التقرير أمام محكمة الاستئناف وهو عنصر جديد لم يكن بين يدى محكمة أول درجة فإن الحكم المطعون فيه لم يشر إلى هذا التقرير بكلمة ووقف عند القول بأن دفاع الطاعن هو ترديد لأوجه دفاعه أمام محكمة أول درجة التي تناولتها المحكمة بالتفنيد مما لا يدع مجالا لأي زيادة، في حين أن المحكمة لو محصت المسائل التي وردت في هذا التقرير الاستشاري، وهي أمور جوهرية، بتغير رأيها في الدعوى، ومن ثم يكون الحكم مشوبا بقصور يعيبه. ومن حيث إذ هذا السبب مردود بأن في أخذ الحكم المطعون فيه بأسباب الحكم الابتدائي الذي اعتمد تقرير الخبير المعين للأسباب التي أوردها في تقريره والتي أوردتها محكمة الدرجة الأولى في أسباب حكمها، ما يفيد أن المحكمة لم تجد في التقرير الاستشاري ما يغير وجه الرأي في الدعوى، ولا على المحكمة أن ترد بأسباب خاصة على هذا التقرير، إذ بحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب سائغه تكفي لحمل الحكم. ومن حيث أن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ نفى عن الطاعن أحقيته في أخذ الأطيان بالشفعة بمقولة أن الثابت من أوراق الدعوى أن الطاعن جار من حد واحد وليست له حقوق ارتفاق، والطريق الذي يدعيه لا ينشئ له حقا لانه قائم على أرضه، إذ قرر الحكم ذلك خالف الثابت بتقرير الخبير من ثلاثة أوجه: الأول - إذ تمسك الطاعن فيما تمسك به من حقوق الارتفاق بالمسقاة المملوكة له التي تخترق الأرض المشفوعة فيها، وقال الخبير المعين عن هذه المسقاة في محضر المعاينة المؤرخ في 22/3/1949 أنها ملك الطاعن بالعقد المسجل رقم 982 في 6 من مارس سنة 1931 وتأخذ مياهها من مشروع ترعة محرم بك العمومية وتمر مخترقه الأرض المشفوع فيها بطول 218 مترا و10س وانتهى الخبير في تقريره إلى أنه لم ينص في عقد القسمة المقدم من الطاعن صراحة على حق ارتفاق ري المساحة المفصولة من مسقاة الطاعن وإنه يترك أمر الفصل في حق ارتفاق الري للمحكمة، تمسك الطاعن بذلك، إلا أن الحكم لم يفصل في هذا الحق لا بالقبول ولا بالرفض وهذا الإغفال مما يعيب الحكم، والثاني - إذ نفى الحكم أن الأرض الطاعن حق ارتفاق المرور على الطريق الواقع بينه وبين الأرض المشفوع فيها بمقولة أن الطاعن هو الذي أنشأ الطريق في ملكه الخاص وجعله معدا لسياراته بعد أن تسلم الأطيان من الدكتور طاهر، في حين أن الثابت بتقرير الخبير ومحاضر أعماله أن الطريق كان موجودا ومحملا بحق الارتفاق قبل شراء الطاعن، وإذا كان الطاعن قد وسع جزءا منه بعد الشراء فإن هذا لا ينفي وجود الطريق قبل التوسيع، والثالث - إذ اثبت الخبير المنتدب في تقريره أن لأرض الطاعن حق ارتفاق الصرف على الأرض المشفوع فيها، كما أن لهذه الأرض نفس الحق على أرض الطاعن، إلا أن الحكم أهدر حق الطاعن تأسيسا على أن العقد المنشئ له لم يسجل، مع أن هذا الحق قديم لا يقتضي إثباته قام عقد المنشئ له لم يسجل، مع أن هذا الحق قديم لا يقتضي إثباته قيام عقد مسجل ما دام أن قيامه على الطبيعة وظهوره واستعماله مما يكفي لاعتماده وإذ أوجب الحكم لنشوء هذا الحق وثبوته أن يكون العقد مسجلا، فإنه يكون العقد مسجلا، فإنه يكون قد خالف القانون. ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه إنه مقام على دعامتين مستقلة إحداهما عن الآخرى: "الأولى" أن الطاعن لا يجاور الأطيان المشفوع فيها إلا من حد واحد وليس لأرضه أو عليها حق ارتفاق للأرض المشفوع فيها أو عليها "والثانية" إنه بفرض توافر أسباب الشفعة للطاعن فإنه تعود على أرض المطعون عليه الأخير منفعة أكثر مما تعود على ملك الطاعن لأنها "أي الأرض المشفوع فيها" تحجزه "أي المطعون عليه الأخير" عن الطريق العام إلا في جزء يسير، ولما كان الطعن واردا على الدعامة الأولى وحدها وكانت الدعامة الثانية كافية لحمل الحكم، لما كان ذلك فإن الطعن بما ورد في هذا السبب يكون غير منتج. ومن حيث أن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم إذ اعتمد تقرير الخبير المعين في خصوص تقرير ثمن الفدان من أرض المطعون عليه الأخير بمبلغ 225 جنيها على أساس أنه اشترى الفدان الواحد منها في سنة 1934 بمبلغ 27 جنيها بينما اشتريت الأرض المشفوع فيها في سنة 1933 بسعر 18 جنيها للفدان ومن ثم تكون النسبة بين الثمنين هي 3 إلى 2 ورتب على ذلك أن ثمن الفدان الآن 225 جنيها، لأن ثمن الأرض المشفوع فيها هو 150 جنيها، إذ اعتمد الحكم هذا التقدير شابه القصور، كما أخل بحق الطاعن في الدفاع، ذلك أن المقصود بالتقدير هو ما تساويه الأرض فعلا لا استنتاجا، ولا يمكن أن تبقى النسبة على حالها إلى الآن إلا إذا بقيت الأرض كلها تحت يد شخص واحد وفي ظروف واحده وكانت طريقة استغلالها واحدة، وقد اطرح الحكم دون مبرر التقدير الذي أورده الخبير الاستشاري، والذي أثبت فيه للأسباب المدعمة بالأسانيد أن ثمن الفدان من أطيان المطعون عليه الأخير يساوي مبلغ 150 جنيها، وهو ذات الثمن الذي اشتريت به الأطيان المشفوع فيها. ومن حيث أن هذا السبب مردود بأنه ليس إلا جدلا موضوعيا في تقدير الدليل المستمد من تقرير الخبير الذي اعتمدته المحكمة للأسباب السائغة التي أوردتها في حكمها، أما ما يعيبه الطاعن على الحكم من إنه أغفل الرد على ما جاء بتقرير الخبير الاستشاري في هذا الخصوص فقد سبق الرد عليه بما ورد في الرد على السبب الثاني. ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.